الأحد، 30 يوليو 2017

كرات چيل مائي متقافزة على سطح مقلاة ساخنة تؤدي لاكتشاف فيزيائي جديد!

بالتأكيد سبق لك ولهوت بتأثير ليدنفروست Leidenfrost Effect من قبل: عمدًا أو سهوًا تسقط تلك القطرات من الماء على سطح مقلاة مصقولة شديدة السخونة، وبدلًا من تتبخر فورًا أو تبدأ بالغليان، تجد القطرات تنطلق بسلاسة وسرعة غير مألوفة فوق سطح المقلاة، بل وتتسلق الجوانب وكأنما ستقفز منها! ولا تتوقف عن الحركة حتى عندما تستقر أخيرًا في منتصف المقلاة فتجدها تدور حول نفسها بسرعة بينما ينقص حجمها ببطء. أي ربة منزل متمرسة تعلم حينها أنه يجب نفض المقلاة من تلك القطرات لأنها ستأخذ وقتًا أطول من اللازم.

تأثير ليدنفروست هو ظاهرة فيزيائية تحدث للسوائل التي تلامس أجسامًا ساخنة للغاية، وذات درجة حرارة أعلى من درجة غليان السائل. عندها، يكوّن السائل طبقة عازلة من البخار بينه وبين السطح الساخن تمنع السائل من الغليان الفوري والتبخر مباشرة. وكنتيجة لقوى التنافر، تظل قطرة السائل تحوم فوق سطح الجسم الساخن دون ملامسته. وهذا هو سبب انطلاق كريات الماء بسلاسة وسرعة كبيرتين، لأنها في الواقع تطوف فوق السطح بلا احتكاك مباشر! سميت هذه الظاهرة نسبةً إلى الطبيب الألماني جوهان جوتلوب ليدنفروست Johann Gottlob Leidenfrost والذي وصف هذه الظاهرة عام 1756.

هذه ظاهرة قديمة جربها الجميع تقريبًا، لكن المبرمج الأوكراني جون بانش Джон Панч أرد اختبار شيء آخر منذ ما يقرب من عامين فبدّل قطرات الماء التقليدية بكرات جيل مائي hydrogel balls يستخدمها لري نباتات المنزل لديه، كونها تتكون من 98% ماء. هنا حدث ما يبدو كظاهرة تأثير ليدنفروست لكن بشكل مختلف وأغرب.

بدأت الكرات في التقافز بلا كلل، لم تذب كرات الجيل أو تلتصق بالمقلاة، واستمر التقافز بلا هوادة لدقائق طويلة مع انطلاق أصوات “تزييق” مزعجة أقرب لصراخ الكريات الصغيرة بينما تتقافز على سطح المقلاة فائق السخونة. نال مقطع الفيديو الغريب أكثر من مليون مشاهدة منذ نشره على يوتيوب في أواخر 2015. فلتشاهدونه تاليًا …

 ظل الأمر مسليًا كمقطع فيديو مثير للدهشة، إلى أن شاهده سكوت وايتوكايتيس Scott Waitukaitis، الخبير في فيزياء المواد اللينة بجامعة ليدن بهولندا عندما كان يتصفح هاتفه المحمول أثناء إحدى المؤتمرات العلمية. حينها غمغم قائلًا: “لقد دبت فيها الحياة! وهي تصرخ من الألم كذلك!

لكن مقطع الفيديو أثار فضوله العلمي بشدة، فقرر إعادة تلك التجربة في معمله، وتسجيل ما يحدث بكامبرا فائقة السرعة للوقوف على أسباب تقافز تلك الكريات طيلة هذا الوقت. هكذا، ركز سكوت وزميله بالعمل على مراقبة ما يحدث عندما تلامس كرات الجيل المائي سطح فائق السخونة؛ ليجدا أنه فور ملامستها للسطح الساخن تنطلق دفقة بخار شديدة تجبر أسفل الكرة الصغيرة على الاهتزاز نتيجة الضغط الناتج عنها، فتقفز لأعلى ويتكرر الأمر من جديد عند ملامستها للسطح مرة أخرى. هكذا تحصل الكريات على دفعات متكررة من الطاقة التي تبقيها في حالة مستمرة من التقافز تقدر بألف تقافز لكل كرة؛ وبالطبع يصاحب تلك الدفقات من البخار ذبذبات متواصلة تجعل الكريات تصرخ بالشكل الذي سمعتموه في مقطع الفيديو السابق.

نمط جديد غير مسبوق لتأثير ليدنفروست

بالعودة إلى تأثير ليدنفروست، نجد أنه في البداية وعندما تكون درجة حرارة المقلاة أقل من 100° مئوية، فإن قطرات الماء تنتشر ببطء ثم تتبخر تدريجيًا. ومع ارتفاع درجة الحرارة شيئًا فشيئًا حتى تتعدى الـ 100° مئوية (درجة غليان الماء)، فإن قطرات الماء تصدر هسيسًا مع ملامسة سطح المقلاة الساخن ثم تتبخر بسرعة. لاحقاً عندما ترتفع درجة الحرارة حتى تتجاوز درجة ليدنفروست يبدأ تأثير ليدنفروست بالظهور والعمل. حينها يتحول قاع الكريات إلى بخار مما يجعلها تطفو حرفيًا فوق سطح المقلاة.

أما بالنسبة لكرات الجيل المائي، فما يحدث هنا هو أن تأثير  ليدنفروست يحول كل كرة إلى محرك بخاري نفاث! محرك تصبح معه كرة الجيل المائي هي الوقود، وأسطوانة ومكبس المحرك في الوقت نفسه كما يقول سكوت!

حتى أكثر كرات المطاط مرونة وقدرة على التقافز لن تستمر كل هذا الوقت في التقافز مقارنة بكرات الجيل المائي في تجربتنا هذا، لأنها مع كل هبوط تفقد جزءً من الطاقة عند ملامستها الأرض. ومع أن كريات الجيل المائي تفقد طاقة هي الأخرى، إلا أنها تستعيده مجددًا من دفقات البخار المتولدة باستمرار مع كل تلامس. هكذا، تظل كريات الجيل المائي في التقافز لمدة تصل إلى 10 دقائق كاملة، ولا تتوقف إلا مع حدوث شق خارجي نتيجة ذوبان قشرة اللدينة التي تحفظ الماء بالداخل.

يتوقع سكوت وايتوكايتيس أن يتم استغلال هذه الظاهرة في مجال الروبوتات اللينة soft robotics والتي تواجه أكبر تحدياتها في الحصول على بطاريات أو دوائر إلكترونية أقل تيبسًا أو صلابة. هكذا، واعتمادًا على بحثه هنا الذي تم نشره في دورية Nature Physics الشهيرة الاثنين الماضي، يقول سكوت أنه سيصبح بإمكاننا تزويد الروبوتات اللينة بدوائر ساخنة عبر أنابيب من مواد شبيهة بالجيل المائي لتجنب الحاجة لمكونات صلبة تقليدية. يمكنكم مشاهدة مقطع الفيديو التالي لفهم آلية عمل الروبوتات اللينة …

 هل لاحظتم المكون الصلب “الإجباري” في روبوت الأخطبوط اللين بالأعلى؟ بالرغم من روعة الجزء اللين المتمثل في ممصاته الهلامية، إلا أن الجزء السفلي الذي يحوي المحرك ومصدر الطاقة يجعل الروبوت بعيدًا عن المثالية. لكن مع الجانب الجديد المكتشف لتأثير ليدنفروست، قد يمكننا صنع محركات لينة أكثر كفاءة وذكاءً!

كيف سنتمكن من فعل هذا من مجرد فيديو بسيط لكرات جيل متقافزة على سطح مقلاة ساخنة؟! هكذا هو العلم في الواقع … تركمات ملاحظات وتجارب تقود لتحسينات واكتشافات غير متوقعة وبوتيرة متسارعة تفوق أكثرنا خيالًا!

مراجع
nature  l  Scott Waitukaitis  l   Wikipedia 12

رابط المقال الأصلي: كرات چيل مائي متقافزة على سطح مقلاة ساخنة تؤدي لاكتشاف فيزيائي جديد!.

عالم الإبداع: http://ift.tt/yPI3xM

fromعالم الابداع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق