الجمعة، 19 مايو 2017

موانا: المحيط بينادي!

“موانا”، فيلم ديزني السادس والخمسين الصادر في 2016، هو فيلم جميل متقن جدير بمكانة ميزة بين سابقيه، مثل شركة المرعبين المحدودة، ومولان، وقصة لعبة، والبحث عن نيمو، والأسد الملك، وغيرها من أفلام التحريك الخالدة والمحفورة في ذاكرتنا منذ الصغر. إذا لم تكن قد شاهدت الفيلم بعد، ولا تريد حرق الأحداث أو القصة، فأنا أدعوك لقراءة مقال آخر لدينا بالقائمة على يسار الشاشة، أو متابعة القراءة على مسئوليتك أنت.

شاهدته أولًا بنسخته الانجليزية غير المدبلجة، وأسرني بقصته وخفة ظل أبطاله ودرجة الإتقان في صنعه. صحيح أن القصة المطروحة في الفيلم خيالية فيما يتعلق بموانا ومهمة إنقاذ العالم وشيطان تي كا Te Kā وتي فيتي Te Fiti وسلطعون جوز الهند العملاق الذي يجيد الغناء وهيهاي الديك “الأحول” ومعظم الشخصيات الأخرى، إلا أن الفيلم بشكل عام كان أمينًا في الجزء المتعلق بماوي Māui وقدراته وإنجازاته وفق أسطورته التي ترويها ميثولوجيا هاواي؛ على الرغم من أنه قد تم تعديلها كي لا تتطرق لنهايته المأساوية كما سنرى لاحقًا.

على أية حال، فتغيير الحبكة الأصلية وإضافة شخصيات جديدة لم ترد في القصة الأساسية هو أمر قامت وستقوم به ديزني دائمًا؛ لأسباب تتعلق بتصنيف الفئة المستهدفة بالفيلم والتي عادة ما تكون G – عام أو PG – توجيه أبوي لتحقيق الانتشار المطلوب دون قيود، على الرغم من أن ديزني كغيرها من ستوديوهات التحريك الشهيرة الأخرى لا تتوانى عن إدراج إشارات خفية لأمور قد لا تكون مقبولة في أغلب المجتمعات كما فعلت مؤخرًا في فيلم الجميلة والوحش 2017 بإثارتها نقطة المثلية الجنسية في شخصية لوفو، صديق جاستون الذي يمثل الشخصية الشريرة في الفيلم، كأول شخصية مثلية في أفلام ديزني.

المحيط ينادي!

موانا Moana بالهاواوية (لغة جزر هاواي) تعني “المحيط”، وتدور أحداث الفيلم حول موانا، الابنة الوحيدة لزعيم قبيلة البولينيزيون Polynesian تو وي، والتي اختارها المحيط لمهمة إنقاذ العالم من الهلاك والموت البطيء، كونها الوحيدة على الجزيرة التي تتوق لشق عباب الأمواج وتحب المحيط وتجرؤ على الإبحار. هذه بالطبع مغالطة تاريخية لأن البولينيزيون منذ حوالي عام 2000 قبل الميلاد قد شرعوا في الإبحار من جنوب شرق آسيا عبر المحيط الهادي أكبر محيطات العالم ليستكشفوا آلاف الجُزر تنتشر داخل هذا المحيط دون وجل; واعتمدوا في هذا على معرفتهم بالطبيعة لاكتشاف معظم هذة الجُزر. وكانوا كلما زاد تعدادهم السكاني في إحدى هذة الجٌزر يبدؤون فورًا بالإبحار للعثور على جٌزر أخرى غير آهلة بالسكان!

لكن ديزني خرجت بقصة تي فيتي/تي كا البارعة لتبرير الكمون غير الحقيقي للبولينيزيين. هكذا، تنطلق موانا في رحلة ملحمية تواجه من خلالها الأرواح العالقة والوحوش في سبيل إعادة قلب تي فيتي، واهبة الحياة، بمساعدة من ماوي الذي ينطلق معها على مضض في البداية في محاولة منه لتصحيح مسار الأمور التي ساءت بسببه في المقام الأول.

هذه هي قصة الفيلم باختصار دون التطرق لتفاصيل تحرق الأحداث. وكما ترون، لا مشكلة على الإطلاق بالحبكة أو القصة طالما أن من يشاهد الفيلم لا يتحدر من البولينيزيين؛ إلا أن المشكلة الحقيقية التي نود مناقشتها في هذا المقال معكم هي الطريقة التي اعتمدتها ديزني لأول مرة في دبلجة أفلامها بالعربية واختارت “موانا” للأسف لتجربتها بهذا الشكل الغريب!

ديزني بالفصحى أم بالعامية المصرية؟

كانت بداية دبلجة أفلام ديزني إلى العربية في سبعينيات القرن الماضي، مع فيلم “بياض الثلج والأقزام السبعة”، وتولى حينها مهمة إخراج النسخة العربية المخرج أحمد كمال مرسي، شيخ المدبلجين قديمًا، وكانت حينها الدبلجة بالعامية المصرية للحوار كاملًا مع استخدام الفصحى فقط مع الراوي الذي أدى صوته الممثل المصري القدير عبد الوارث عسر في تجربة فريدة لا يزال سحرها قائمًا إلى الآن.

بعدها توالت أعمال ديزني المدبلجة باللغة العربية الفصحى حتى عام 1994، وقت عرض النسخة المدبلجة من الفيلم الشهير “الأسد الملك Lion King” بالعامية المصرية، لتحقق نجاحًا ساحقًا دفع ديزني الأم لإرسال رسالة شكر خاصة إلى المخرج سمير حبيب على النجاح غير المتوقع للنسخة المدبلجة في أنحاء الوطن العربي! هذا النجاح دفع ديزني لمواصلة اعتماد اللهجة العامية المصرية لغةً في أفلامها التالية المدبلجة إلى العربية، كأفلام “شركة المرعبين المحدودة” و”حياة حشرة”، و”حكاية لعبة”، ومسلسل “تيمون وبمبة” وغيرها من الأعمال المبدلجة التي ضمت نخبة من أشهر النجوم المصريين وأكثرهم شعبية؛ واستمر الحال هكذا حتى فيلم “ويني الدب” عام 2011.

ثم كان القرار الغامض من ديزني في 2012 بالابتعاد عن العامية المصرية تمامًا، والاعتماد بشكل كلي وحصري على العربية الفصحى في دبلجة أعمالها الجديدة القادمة؛ بل وذهبت لأبعد من هذا وقامت بإعادة دبلجة بعض الأفلام الشهيرة السابقة التي نجحت بالعامية المصرية، كفيلم “الملك الأسد” بأجزائه الثلاثة و”شركة المرعبين المحدودة” و”سيارات”!

حينها، تعالت بعض الأصوات الرافضة لهذا القرار، وقامت صفحة “ديزني بالعربي” على فيسبوك بدعوة متابعيها إلى المشاركة في حملة إلكترونية لمطالبة ديزني العالمية بإلغاء قرارها بالدبلجة بالعربية الفصحى بعد الإعلان عن إصدار نسخة فيلم “جسورة Brave” بالفصحى بدلًا من العامية المصرية. إلا أن تلك الحملة لم تنجح في مسعاها وأصدرت ديزني فيلمها الجديد حينها 2012 بالعربية الفصحى وأعقبته بمجموعة أخرى مثل “جامعة المرعبين” و”آل كرود The Croods” وغيرها من الأعمال المدبلجة بالعربية الفصحى.
http://bit.ly/2pZQ4sl
إلا أن الأصوات تعالت مرة أخرى وبحدة أكبر في عام 2014 مع إصدار النسخة المدبجلة إلى العربية من فيلم “متجمد Frozen” الذي يعد أحد أنجح أفلام ديزني الأخيرة وأكثرها ربحية وشعبية على الإطلاق. كانت الدبلجة كارثية ولا شيء آخر! والمشكلة بالطبع ليست باللغة العربية الفصحى نفسها، وإنما كانت في عدم قدرة صناع النسخة العربية على اختلاف أدوارهم على تطويع اللغة لتناسب حوار وجو وأغاني الفيلم، فخرجت النسخة العربية جامدة و”فخيمة” أكثر من اللازم، وجاءت الأغاني مكسورة الوزن غير سلسة على الإطلاق.

من هنا تم إحياء حملة “ديزني_بالمصري” من جديد، التي تفاعل معها هذه المرة الآلاف عبر الوطن العربي بالإضافة إلى دعم من عدد من الممثلين والمشاهير.

//platform.twitter.com/widgets.js

//platform.twitter.com/widgets.js

//platform.twitter.com/widgets.js

http://bit.ly/2rlyF0S

//platform.twitter.com/widgets.js

 

ويبدو أن ديزني استمعت تلك المرة باهتمام أكثر نظرًا لتراجع مبيعات وشعبية أفلامها عبر النسخ المدبلجة بالعربية الفصحى لأول مرة؛ فقررت لأول مرة منذ 2012 عودة اللهجة المصرية جزئيًا مع فيلم “البحث عن دوري Finding Dory” في 2016 ثم فيلم موانا التي صدرت نسخته العربية المدبلجة 2017 منذ أسابيع قليلة فقط. لتتفجر مشكلة “Frozen” مرة أخرى لكن بشكل معكوس هذه المرة!

أين المشكلة بالضبط؟!

بداية يجب أن أشير إلى أنه عن نفسي لا أرفض على الإطلاق استخدام العربية الفصحى في دبلجة أفلام ديزني أو غيرها من الأعمال الفنية على مطلقها؛ بل على العكس أتمناها! ولنأخذ النسخة العربية المدبلجة من فيلم “The Croods” كمثال. فبمعجزة ما، جاء كل شيء مثاليًا، وبالعربية الفصحى! الحوار سلس للغاية والنكات المرحة موفقة واللغة العامة السائدة في الفيلم متقنة لا تلوكها طويلًا في فمك قبل ابتلاعها، حتى لتشعر أنك تستمع إلى العامية السائدة ببلدك! إذن فالمشكلة هنا ليست في اللغة العربية نفسها، إنما في طريقة إلقائها وتنغيمها لتبدو بشرية محمّلة بالمشاعر وجوانب شخصية كل متحدث بها.

مع هذا، فاللغة العربية الفصحى قد لا تكون دومًا الخيار الأفضل للدبلجة لأن الأمر يختلف كثيرًا هنا عن الترجمة؛ ليس لعيب أو قصور بها، لكن لاعتبارات أخرى تتعلق بالثقافة السائدة ونمط الشخصية ومحاكاة الواقع بشكل أمين. وهذا الأمر لا يقتصر على العربية كلغة هدف وإنما على الإنجليزية كذلك كلغة مصدر. ففي فيلم حورية البحر The Little Mermaid، تعمدت ديزني في النسخة الأصلية أن تجعل كل شخصية تتحدث بلهجة مختلفة. فأريال كانت تتحدث بلهجة أميركية، والسلطعون كان يتحدث بلهجة جمايكية، والساحرة الشريرة تتحدث بلهجة إنجليزية، والشيف لوي يتحدث بلهجة فرنسية. ثم جاءت النسخة المدبلجة ففعلت الأمر نفسه مع لهجات كل شخصية، فأريال أصبحت تتحدث باللهجة المصرية، والسلطعون عثمان يتحدث بلهجة سودانية، والشيف لوي يتحدث بلهجة لبنانية، وهكذا! هذا ما تتطلبه الدبلجة بالضبط: محاكاة الواقع بتلبيس كل شخصية ما يناسب روحها الظاهرة؛ وهو السبب نفسه الذي جعل الكثيرون يعتقدون أن الأتراك يتحدثون الشامية في الواقع كما كما يسمعونها في المسلسلات التركية المدبلجة!

ديزني اتخذت منحًا مختلف في آخر فيلمين لها “البحث عن دوري” و”موانا”، وهي تطعيم الحوار بالعامية المصرية بدلًا من استبدالها تمامًا بالعربية الفصحى! بدأت في “البحث عن دوري” بنسبة 20% فقط من الحوار كعامية مصرية، ثم زادت هذه النسبة بشكل ملفت في “موانا”، كحل في اعتقادها للإشكالية التي تناولناها بالأعلى. لكن للأسف، جاءت النتيجة غريبة للغاية!

نحن هنا لا نتحدث عن شخصية تتكلم بالعامية دون غيرها من الشخصيات أو عن تخصيص العامية المصرية للأغاني فقط، وإنما عن هجين غريب لحديث الشخص الواحد، فهو تارة بتحدث بالفصحى وبعد قليل يتحدث بالعامية المصرية؛ وهو أمر له وقع غريب وسيء في الواقع. حدث هذا للمرة الأولى بهذا الشكل في فيلم “البحث عن دوري” لكن نسبته القليلة التي لم تتعد 20% جعلت الجمل الحوارية بالعامية المصرية متباعدة ومقصورة بشكل ضيق على القفشات أو هتافات الانفعال وما شابه؛ ثم يأتي فيلم “موانا” لنجد الشخصية الواحدة تتحدث بالعربية الفصحى والعامية في الجملة الواحدة نفسها! شاهدوا المقطع التالي من النسخة العربية المدبلجة …

 

غريب وأقرب إلى الصادم، أليس كذلك؟ في بعض الأحيان تجد نفسك تتساءل عما يعنيه ماوي أو موانا بالضبط بكلمة ما عربية تمامًا، فقط هو أو هي كانت تتحدث بالعربية الفصحى ثم انتقلت بلا إنذار للعامية أو العكس! هكذا تستمتع إلى الكلمة التالية بالفصحى فيحاول عقلك للحظة أن يفهمها بالعامية ليربطها بالجملة السابقة العامية قبل أن تفطن أنت أن الشخصية قررت لسبب ما أن تغير اللهجة، ومن ثم تبدأ في برمجة عقلك من جديد لمعايشة ما يحدث قبل أن تتلقى “الخبطة” من جديد بتبديل اللهجات بشكل مباغت وسريع! مثال آخر بالمقطع التالي…

 

وهذا هو الحال طيلة الفيلم للأسف حتى النهاية، مما يجعل الاستمتاع بالفيلم أو تجربة مشاهدته مرة أخرى بهذه الدبلجة أمرًا مستبعدًا، فتلجأ للنسخة الإنجليزية الأصلية لأنك ستستمتع أكثر! توقعت كذلك أن يتم الغناء بالعامية المصرية، نظرًا لأن الأغاني في الأصل خليط بين الانجليزية والهاواوية مما يتطلب مرونة وقوافي غير نظامية لا توجد في بحور العربية الفصحى، إلا أن صناع النسخة المدبجلة أصروا على استخدام الفصحى في الأغاني، والنتيجة أن خرج بعضها بغير روعة وتأثير الأغاني الأصلية، خاصة في الأغاني التراثية الجميلة لقبيلة موانا وبشكل أكبر عنها في أغاني موانا التي أدتها المطربة المصرية كارمن سليمان.

كل هذا لا ينفي بالطبع حجم الجهد المبذول من طاقم عمل النسحة العربية لإخراجها بشكل جيد، فقط المعادلة هنا لم تتم بشكل صحيح. كان من الأفضل لو اقتصرت اللهجة المصرية على شخصيات بعينها كماوي مثلًا باعتباره شخصية أقرب إلى عدم النظام والتحرر، أو الاستعانة بها في الأغاني لما تتميز بها العامية من مرونة وقوافي بلا قواعد مقيدة، أو حتى تكرار تجربة “آل كرود” بدبلجة فصحى صرفة. أي من هذه كان سيمنحنا نتيجة أفضل من “الخلطبيطة” التي جعلت ابنتي الصغيرة لا تطلب النسخة المدبلجة مرة ثانية وتواصل مشاهدة النسخة الانجليزية التي تضحكها كثيرًا!

“موانا” كان فرصة مثالية لإعادة أمجاد الدبلجة العربية كمثيلاتها السابقة كمولان والأسد الملك، وشركة المرعبين المحدودة، لما يتمتع به الفيلم الأصلي من عناصر جعلت منه تحفة بصرية وسمعية مبهجة كان يمكن نقلها للعربية بنفس القوة والجمال، إلا أن النسخة الحالية لم تنجح في هذا للأسف. هل تفعلها ديزني وتعتمد مقاربة أفضل للدبلجة باعتماد العامية المصرية أو العربية الفصحى بشكل كامل دون تطعيم إلا بشكل نظامي كما كان يحدث في الماضي؟ من يدري، لربما حينها نستطيع الاستمتاع بنسخة أخرى محدّثة من موانا أفضل كثيرًا!

 

رابط المقال الأصلي: موانا: المحيط بينادي!.

عالم الإبداع: http://bit.ly/2m7o1HY

fromعالم الابداع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق