الأربعاء، 8 مارس 2017

كأنها من عالم آخر: صيادو الجليد في صقيع كازاخستان… قصة أخرى!

الجو قارس البرودة. درجة الحرارة -40 تحت الصفر! حتى النار ستتجمد ألسنة لهبها في الهواء مع هذه البرودة التي لا ترحم. لكنه كان مستعدًا كما هي العادة.

ارتدى طبقات ملابسه القطنية فالصوفية فالسترة الواقية كما ينبغي؛ جهز الطُعم والتقط قصبة الصيد وفتح الباب. هاجمته بعض ألسنة الرياح بالخارج بينما صفيرها ينذره ألا يتقدم. ابق بالداخل هذا أسلم! لا تلومن إلا نفسك إذا ما عدت بإصبعين مقضومين أو لم تعد أنت نفسك على الإطلاق! لكنه يتقدم دون مزيد من التفكير. لن يحصل أطفاله على طعام إذا ما فضّل الدفء على المغامرة.

سار لعشرة دقائق تقريبًا بينما يبحث عن بقعة مناسبة. قابل صيادين آخرين بينما ينطلق إلى بقعته المنشودة التي لا يعرفها بعد. لم يستطع تبادل أي كلمة معهما أو حتى إلقاء التحية لأنهما كانا معزولين في غلافهما البلاستيكي المضبب من الداخل بأنفاسهما الحارة.

 

أجل، هذه بقعة مناسبة. هكذا قال المرة السابقة أيضًا وعاد إلى عائلته بسمكات معدودات لم تكف إلا أن تكون وجبة واحدة ليومين فقط. يدعو الله أن يكون حظه اليوم أسعد.

هكذا، أخرج المثقاب وصنع حفرة ضيقة إلى البحر أسفل أقدامه، ثم بمبرد الجليد أخذ يوسع الحفرة إلى قطر مناسب. بعدها نصب المثقاب كعمود قائم لغلافه البلاستيكي الواقي. مجرد كيس عملاق من البلاستيك الشفاف يحيط نفسه به ليقيه أنياب وإبر الرياح السامة التي تحاول اختراق جلده. كان يملك شيكارة أرز كبيرة فيما مضى إلا أنه فقدها في يوم عاصف.

داخل الكيس الذي تعرفت عليه الرياح كعدو جديد، أغلق دلو الطعم وجلس عليه. نصب قصبته بزاوية قائمة وأسقط الخيط وطفق ينتظر. قدمه تؤلمه رغم الجوارب الصوفية والحذاء الطويل السميك. إنها الأقل حظًا هنا لأنها الأقرب للجليد. الكثيرون هنا يصطحبون زجاجة فودكا معهم لمنحهم بعض الدفء، لكنه مسلم يحلم الآن بكوب ملتهب من شاي الأعشاب المشهور بكزاخستان. صبر جميل إذن! سيعود إلى المنزل في أسرع وقت حاملًا غنيمته.

هل نام حقًا؟ لا يذكر، ولا زالت سنارته ميتة لا تتحرك. فكّر في  أن يتمشى قليلًا حول المكان طلبًا للدفء ولتنشيط دورته الدموية إلا أن ضربات الرياح المحملة بالثلج على الكيس البلاستيكي طردت الفكرة. لن يغادر هذا الكيس إلا في طريقه إلى المنزل إذن.

لكن كيسه البلاستيكي تحول لكفن شفاف له. تلك العاصفة الثلجية التي هبت على المكان بغتة لم تترك له فرصة، وسريعًا تراكمت عليه الثلوج فصار تبة عالية قد يخطئها الجميع حتى موسم ذوبان الثلوج. لكن عزاءنا هنا أنه لم يشعر بشيء. خدر النوم الدافيء كان لذيذًا في الواقع. كانت غلطة قاتلة أن لم يستمع إلى الراديو هذا الصباح.

لكن القصة لا تنتهي دائمًا بهذا الشكل المأساوي، على الأقل بعيدًا عن كازخستان حيث دارت الأحداث بالأعلى. الصيد في الجليد Ice Fishing في الواقع هواية محببة ومهنة منتشرة حول العالم، لكنها لا تمارس بهذا الأسلوب الأصعب كما في كازخستان. بشكل عام، يمكن ممارسة صيد الجليد في أي بلد يتساقط بها الثلج، سواء على سطح نهر أو بحر متجمد، أو بحيرة كبيرة متجمدة في الشتاء. في موسم كهذا، يصطحب الآباء أطفالهم لبعض المرح، ويتستعينون بكوخ صغير متنقل Shanty لحمايتهم من الطقس السيء والاستمتاع بهواية الصيد وسط الثلوج. مثل هذا الكوخ يكون مجهزًا كذلك بموقد للتدفئة وإعداد المشروبات الساخنة كذلك! لكن في كازاخستان لا يملك الصيادون الأكثر فقرًا رفاهية شراء مثل هذه الأكواخ، لذا يستعيضون عنها بأكياس بسيطة من البلاستيك كما رأينا.

الصور التي رأيناها جميعها بالأعلى لصيادي الجليد في كازخستان هي من تصوير المصور الكازخي Aleksey Kondratyev، والذي يرصد فيها الطريقة الغريبة والبسيطة لأبناء بلده في صيد السمك كمهنة. صيد الجليد قد يمارسه الكثيرون حول العالم كهواية أو رياضة، لكنه هنا مهنة تشكل أكثر من 20% من إجمالي الصيد في البلاد.

قد تكون القصة حزينة قاسية، لكن الطبيعة كذلك، قاسي لا تتفاهم. هي فقط لمحات سريعة من قصة أخرى في مكان بعيد قصي، حتى لتبدو كأنها من عالم آخر…

 

القصة بالأعلى من خيال كتاب المقال تمامًا، ولا تشير إلى واقعة مسجلة وإن كانت تتضمن أحداث حدثت، تحدث، أو قد تحدث!

مراجع: 1 2 3

 

رابط المقال الأصلي: كأنها من عالم آخر: صيادو الجليد في صقيع كازاخستان… قصة أخرى!.

عالم الإبداع: http://bit.ly/2m7o1HY

fromعالم الابداع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق