الأحد، 26 يونيو 2016

مُحاكي الجاذبية: صمم مجموعتك الشمسية على شاشة حاسبك الشخصي!

فيما مضى كانت العلوم حبيسة الكتب فقط بالنسبة للعامة، وكانت جائزة الفهم محصورة فقط على من يثابر ويجتهد في فهم ما تحاول الكلمات والرموز على السطور شرحه بعيدًا عن المعمل أو المرصد. تخيلوا معي كيف كنت لتتبين مدى روعة تفاعل ثيوسيانات الزئبق الثنائي Mercury II Thiocyanate عند الاحتراق أو كيف تنسحق النجوم لتصيح ثقوبًا سوداء مخيفة أو كيف يتحرك بروتين الكينيسين Kinesin بينما يحول الطاقة الكيميائية إلى حركة من خلال التحلل المائي للأدينوسين ثلاثيُّ الفوسفات ATP داخل أجسادنا؛ إلا داخل معمل أو بالنظر عبر عدسة مرصد أو كما يحدث الآن من خلال مقطع فيديو يصور العملية أو رسم متحرك يتخيل الآلية!

كان تصور مثل هذه الأمور دون رؤيتها يحتاج إلى عقول جبارة يمكنها أن تكسر حدود أي خيال وتستشف نواميس الكون نفسه دون أن تبارح غرفتها البسيطة! هكذا كان ابن سينا وجاليليو وآينشتاين ونيوتن وغيرهم من أصحاب العقول الشفافة التي سبقت عصر المحاكيات والحواسيب العملاقة.

والآن صار العلم أفتن وأجمل مما مضى! لم تعد الكيمياء مملة أو عسيرة، ولم تعد الفيزياء ضربًا من الخيالات والأفكار صعبة التصور، والفلك! حدثني أرجوك عن الفلك! لم تكن الثقوب السوداء بمثل هذه الروعة من قبل! الموجات التثاقلية؟ أجل، عمّ تريد السؤال بشأنها بالضبط؟ إنها ممتعة حقًا بقدر ما هي عسيرة الرصد!

هكذا، وفي ظرف سنوات قليلة بعد مطلع الألفية الثانية، صارت مصطلحات كان يلفها الغموض والسحر من قبل مثل الزمكان والتشابك الكمي وتطبيقات النانو أمورًا عادية تقرأها بين السطور فلا تستوقفك لأنك تعي جيدًا ما تعني.

ومن بين أكثر الظواهر غموضًا، ستظل الجاذبية دومًا هي اللغز الأكبر؛ سواء على نطاق أرضي أو كوني! هكذا قد تقرأ العشرات من الأوراق العلمية عن الطريقة التي تتجاذب بها الأجسام، سواء على النطاق تحت الذري أو بين المجرات نفسها، لكن تصور ما يحدث حقًَا قد يكون صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا باستخدام العقل ولا غيره!

لهذا، ما رأيكم بمحاكي يمكننا من خلاله حساب وتصوير حركة الكواكب والنجوم وحتى الغبار الكوني داخل المجموعات الشمسية وحتى المجرات نفسها إن أحببتم؟ بل ما رأيكم بتكوين هذه المجموعات الشمسية والمجرات حسب رغبتنا نحن؟ أن تتحول حسابات الكتلة والسرعة من مجرد رموز وأرقام لا يمكننا متابعتها إلى مسارات مرئية وكرات ملتهبة وأخرى باردة أقرب ما يكون إلى مثيلاتها من الشموس والكواكب!

محاكي الجاذبية هو تطبيق يمكنك العمل عليه على متصفحك مباشرة أو شراء النسخة الاحترافية منه وتنزيله على جهازك، ومهمته بسيطة على تعقيدها: محاكاة أثر الجاذبية على مسارات كواكب وشموس وأجسام فضائءية أخرى تضعها أنت حسب هواك!

Screen Shot 2016-06-25 at 11.07.21 PM

عند التوجه إلى صفحة المحاكي هنا، سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتم التحميل وتشاهد الواجهة البسيطة بالأعلى. الواجهة تحثك على البناء… بناء أيًا ما تريد حسب خيالك وقدرتك على الحساب والتقدير؛ سواء كان نظام شمسي بسيط أو مجرة كاملة يقبع ثقب أسود في منتصفها! الأمر متروك لخيالك وبعض الإبداع.

بعدها مباشرة ستنتقل إلى واجهة جديدة …

Screen Shot 2016-06-03 at 10.45.05 AM

الواجهة الرئيسية تضم العناصر التي يتكون منها أي نظام شمسي أو مجموعة شمسية تقليدية: نجوم، كواكب سيارة، كويكبات، وغبار. كذلك تضم بعض أدوات التحكم التي يمكنك استخدامها للقيام ببعض المهام السريعة. Stars 1

كما ترون، القوائم بسيطة أقرب ما تكون إلى شرح نفسها. في النسخة المجانية التي يتيحها الموقع يمكنكم التحكم في لون الجسم الفضائي وكتلته وكذلك المسافة التي تفصله عن بفية الأجسام وهي عناصر لا بأس بها ستضمن لك الكثير من المرح والتحكم إلى حد كبير.

Screen Shot 2016-06-26 at 3.27.27 AM
هناك كذلك قائمتان منسدلتان يمكنك إظهارهما بالضغط عليها أسفل الواجهة على اليمين واليسار وتضما بعض أدوات التحكم الإضافية مثل إظهار أو إخفاء مسارات الحركة للأجسام التي وضعتها، وكذلك الحكم في مقدار الجاذبية وسرعة الزمن (سرعة العرض) وغيرها من العوامل المهمة.
Stars 2

أنت الآن مستعد لتصميم نظام شمسي أو بعثرة النجوم والكواكب ومراقبة كيف ستتحرك وتؤثر على بعضها البعض. تلاعب بكتلة جسم ما دون غيره واجعلها أكبر، وراقب كيف تؤثر جاذبيته التي صارت بطبيعة الحال أكبر بغيره من الأجسام.

فقط انتبه لأمرين: إن لم تجد نجمك يتحرك فقد يكون هذا لأنك اخترت نجمًا ثابتًا أو لأنك في وضع التوقيف Pause. فقط اضغط على تشغيل Play على يسار أعلى الشاشة ليبدأ المرح!

كذلك لا تنس أن التطبيق يحاكي حركة الأجسام وتأثير جاذبيتها على بعضها البعض من خلال القيام بعمليات حسابية تتضخم كلما رفعت أنت كتلة الجسم أو مقدار الجاذبية! لذا لا تغالي في إضافة الأصفار عند وضع هذه الأرقام لأن التطبيق سيتجمد معلنًا عجزه عن إتمام تلك الحسابات وفق إمكانات جهازك المنزلي، وستضطر في النهاية لإعادة تحميل التطبيق من البداية.

ColorsShot

ماذا عن محاكاة قلب مجرتنا نفسه؟

بالطبع لن يكون الأمر سهلًا، فهذا المحاكي على ما يقدمه أبسط من أن يستطيع حساب ما يحدث في قلب مجرتنا، حيث يقدر العلماء وجود مئات الألوف من المجموعات الشمسية داخل أي مجرة بالإضافة إلى ثقب أسود فائق الكتلة Supermassive Black Hole يقبع في قلبها المظلم. لذا قد تقول أنه حتى لو اختذلنا ملايين النجوم التي تحويها مجرتنا إلى نجوم معدودة يدور حول كل منها بضعة كواكب، فلا يزال ينقصنا ثقب أسود فائق الكتلة في وسط المجرة. لا أرى عنصرًا شبيهًا في واجهة التطبيق، لهذا سنتحايل على تلك النقطة ببساطة!

الثقب الأسود ما هو إلا نجم انهار أو انسحق على نفسه بعد موته، بحيث صارت كتلته الماضية مضغوطة بشكل لا يصدق داخل حيز أصغر بكثير، في ظاهرة تسمى الحجم الحرج، والذي ما أن تصل إليه المادة حتى تبدأ بالانضغاط تحت تأثير جاذبيتها الخاصة، ويحدث انهيار من نوع خاص بفعل الجاذبية التي تضغط النجم المحتضر وتجعله صغيرًا جدًا وذا جاذبية قوية خارقة.

Black_Hole_Milkyway

هذا الكيان الشره يتغذى على أي شيء يعبر على مقربة منه، بما في ذلك النجوم وحتى الثقوب السوداء الأخرى! وعند اندماج أكثر من ثقب أسود في ثقب أسود واحد يصبح لدينا ما يسميه العلماء بالثقب الأسود فائق الكتلة Supermassive Black Hole وهو وحش مهول تبلغ كتلته ملايين المرات كتلة شمسنا الوديعة الصفراء! ويقدر العلماء أنه في قلب كل مجرة يوجد ثقب أسود فائق الكتلة على الأقل، ومجرتنا درب التبانة ليست بالاستثناء بالطبع. مخيف أليس كذلك؟

حسنًا، كيف سنضع وحشًا كهذا في تصميم مجرتنا المصغرة في محاكي الجاذبية؟ بالتناسب بالطبع!

اختر نجمًا ثابتًا من القائمة، واختر اللون الأحمر (لا يوجد أسود للأسف) له. حدد كتلة ضخمة له ولا داع لإضافة الكثير من الأصفار حتى لا ينهار التطبيق سريعًا. استعن بالتناسب! كما قلنا منذ قليل تبلغ كثافة الكتلة داخل الثقوب السوداء ملايين المرات عند مثيلاتها عند النجوم الشابة المتوهجة، لذا إذا جعلت كتلة الثقب الأسود في منتصف الشاشة 100000، فلتجعل كتلة أقرب نجم 0.01 مثلًا  وكتلة الكواكب تتراوح بين 0.0001 وأعلى وهكذا.

أجل، الثقوب السوداء تتحرك هي الأخرى وبسرعة قد تصل إلى ملايين الأميال في الساعة الواحدة، لكنها لا تفعل هذا دون حدث خارجي، كاندماج مع ثقب آخر أو كرد فعل لامتصاص نجم سيء الحظ . الثقوب السوداء فائقة الكتلة لا تغادر قلب المجرات بشكل عام دون سبب قوي… أو هذا ما نعلمه حاليًا! وبعيدًا عن تلك الفكرة المخيفة لثقب أسود يتحرك بشكل خفي تمامًا بحيث لا نستطيع رصده، أدعوكم لتجربة المحاكي واكتشاف الأمر بأنفسكم.

بعثروا النجوم والكواكب وانثروا الغبار والحطام بين كل شيء، ثم راقبوا ذيول المسارات بينما تندمج الشموس وتتصادم الكواكب! ولا تنسوا أن تخبرونا كيف سار الأمر معكم!

fromعالم الابداع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق